روزمين ♡الامبراطور♡ 18 والاخير

القائمة الرئيسية

الصفحات

روزمين ♡الامبراطور♡ 18 والاخير

 استغرق الأمر بضع ساعات لتستطيع روزي الوصول

إلى المعبد، فتحت البوابة ودخلت لتجد الباحة الأمامية 

خالية من المتدربين، عادة ما يأتي الأطفال من أماكن عدة

للتدريب هنا لكنهم قد انصرفوا ولن يعودوا قبل بداية 

فصل الخريف 


حاليا، لا يوجد في المعبد سوى المعلم الأكبر، والذي لا 

يغادر غرفته غالبا، محاربة عمياء تلزم المعبد وخمسة 

راهبين ثم ثلاثة معالجين 

البقية غادروا في رحلات طويلة حول العالم، كان معروفا 

أن الرهبان يسافرون بغاية توسيع أفاق تفكيرهم أكثر

وبعض المعالجين يسافرون إلى ممالك وبلدان بعيدة 

للعمل، مما يعني أنهم لن يعودوا مجددا إلى المعبد

تقدمت روزي بصمت تحدق بالمكان، لم تره منذ كانت 

طفلة، لذا هي لا تتذكر كيف كان شكله، لا تتذكر الألوان 

الزاهية ولا التصميم الجميل، الرهبان كانوا يهتمون بهذا 

المكان فهم يبصرونه، لذا كانت مهمتهم تزيين المعبد 

والحفاظ على جماله ونظافته

في المقابل كانت هي والفتيات الكفيفات يحظين بتدريب

اشد قسوة من تدريب الرهبان، لذلك هن أقوى وأعلى مرتبة منهم


وقف أحد الرهبان أمام مدخل المعبد ينظر إليها فتوقفت

قبل أن تنحني بهدوء وتكمل سيرها، وهو ابتعد ليدعها 

تمر مخبرا اياها ان المعلم الأكبر في انتظارها 

وحين دخلت على المعني في حجرته، كان يجلس على 

الأرض، يرتدي رداء أبيض بمثل لون لحيته الطويلة 


وجهه مليئ بالتجاعيد وعيناه مغلقتان، فهو الآخر أعمى

لكن على عكسها فعيناه مطفأتان بالكامل، أي لا أمل في عودة بصره 

نظرت اليه بتمعن وشعرت بهالة القوة تحيط به، لطالما 

كانت هالته تسبقه، مما يجعل الجميع يحترمه فهو يبدو 

مشبعا بالهيبة والوقار، من كان ليظن أن هذا الشخص 

قادر على إيذاء غيره بوحشية غير مبررة 


أخذت نفسا عميقا واقتربت لتجلس مقابله، لم تكن 

خائفة منه ولم تفكر في حكمه عليها، هي أتت هنا 

لوضع حد له ولأفكاره المضللة، وإن كان ذلك يعني 

الموت في سبيل تحقيقه فليكن 

"لقد أتيت بمفردك، أين شوهوا وييجين؟" 


تساءل أولا وهي علمت أن المحاربة الرابعة 'رين' قد سبق

وأخبرته بوصولها لوحدها 


وبالطبع لم تكن لتخبره أنها قد قتلتهما في الطريق 

لذلك هي كذبت، وحاولت ألا تجعل نبرتها واضحة فهو 

يجيد تمييز الكذب 

"لم تستطيعا مجاراتي، لكنهما ستصلان قريبا"


همهم بهدوء ولم تفهم من ذلك شيئا فهو غير قابل للقراءة 

من الصعب معرفة فيما يفكر، لكنها بالفعل كانت لتصل 

قبلهما حتى إن لم تقتلهما 

" كان عليهما المجيء للتأكيد على إنهائك المهمة بنجاح

فهل نفذت الأوامر الجديدة؟" 


"أجل، لقد قتلت الإمبراطور، وحتى إن لم أفعل بنفسي

شوهوا كانت ستفعل ذلك، لم تترك لي خيارا آخر" 

قهقه الأكبر بنبرة جافة مزيفة وأكمل


"صحيح، لكنني على الأقل أعطيت مشاعرك بعض الأهمية

وتركتك تودعينه قدر ما تشائين، أعطيتك أياما لفعل ذلك 

فكيف كان وداعك له؟ أهديته جسدك؟ أم كتبت له 

قصيدة حب وبكيت في حضنه طوال الليل؟ روزي .. 

مهما أمعنت التفكير في تصرفاتك، أجد نفسي خائبا أكثر

وأكثر، لم أتوقع منك ذلك"

"ألم تقل من قبل أنك ترى المستقبل، فلماذا لم ترى هذا"


"هل تشكين في قدرات معلمك الآن؟ "


"عذرا، لست أقلل احترامي، لكنني فقط أشعر بالفضول

وأصبح لدي الكثير من الأسئلة"

ظل العجوز صامتا لم يبدي رد فعل آخر، ثم نطق مجددا 

بعد لحظات 


"سأجيب عن أسئلتك الليلة، قبل تنفيذ عقابك، فانصرفي الآن"


لم تكترث لما قاله ولم ترغب في سماع إجاباته على كل

حال، فهو كان سيكذب أو سيخبرها بالمزيد من الهراء

الذي أصبحت تشعر أنه ملفق تماما، هو لا يرى شيئا

لا يرى لا المستقبل ولا الحاضر، هو أعمى 


هو مجرد وحش


وهو يظن أنها لا تعلم ما يفعله 


المعبد في هذا الوقت من السنة يكون هادئا، يركز فيه 

الرهبان على تدريباتهم، وكل واحد منهم يتدرب بمفرده 

المعالجون يركزون على القراءة وصناعة الدواء وأحيانا 

يتدربون على القتال أيضا 


أما المعلم فهو يقضي كل أوقاته في التأمل 


فهو قد بلغ آخر مراحل التدريب منذ زمن طويل 


فجر ذلك اليوم 


تسلل شخصان خارج القصر دون لفت الأنظار، وابتعدا

بهدوء يسلكان الطريق التي وضعتها لهما روزي، حتى

وصلا إلى غابة قريبة ليجدا حصانين مربوطين هناك 

أزال تايهيونغ الوشاح الذي يحيط وجهه لتفعل يوكي 

نفس الشيء لتنظر اليه وتبتسم بسعادة فيقترب هو 

بسرعة ليعانقها بينما يضحكان، لقد أفلتا 


لم يكن الأمر سهلا، كلاهما كانا خائفين، خصوصا أن

روزي لم تضع خطة ذكية لتجعلهما يهربان، لم تدلهما

على باب سري او تجعلهما يتسللان بأزياء الحراس 

او ما شابه، كان عليهما فقط الانتظار حتى يلتهي أحد

الحراس والتسلل خارج البوابة الواقعة في الحديقة 

المقابلة لغرفة الإمبراطور وهي الحديقة حيث كانت 

تعمل يوكي ووالدها، لذا فإنها دوما خالية إلا من حارس

واحد يقف أمام بوابة تصل بين جزء اخر من القصر

ثم الباحة الخارجية المظلمة وهناك كان يفترض أن 

يتواجد بعض الحراس لكن أقربهم كانو نائمين والبقية

متعبين ينتظرون انتهاء مناوبتهم 

الأمر كان يعتمد فقط على الصبر والهدوء، وعدم 

لفت الأنظار


سرعان ما ركب الاثنان على الأحصنة ليلتفت تايهيونغ 

وينظر للمرة الأخيرة ناحية القصر، يشعر بالحزن للرحيل

هكذا فهو أحب عمله كثيرا وأحب التدريب مع روزي 

لكنه اقترف خطأ فادحا بقتله للأمير، ومازال لا يصدق

أنه قد أفلت بفعلته هكذا


تذكر كل تدريباته مع أصدقائه، كيف كان يتعرض للتوبيخ

من الملازم هوسوك حين ينسى حركاته القتالية

شعر بها تقترب وتضع يدها على كتفه ليبعد عينيه

عن القصر وينظر إليها ليبتسم


"أنا لست نادما على الرحيل يوكي" 


رآى نظراتها القلقة فرفع يدها ليقبلها ويردف

"أنا فقط أودع القصر وذكرياته، لكنني أرغب بصنع 

ذكريات أكثر معك" 


ابتسمت لتلمع الدموع في عينيها ثم أومأت بخفة، فهي

أيضا تملك الكثير من الذكريات هناك، كل الذكريات 

ولدت في القصر وكبرت فيه، الرحيل الآن هو أشبه بترك 

قطعة منها هناك، لكنها لا تستطيع العيش بعيدا عن تاي


إن كان ترك القصر يشبه ترك قطعة منها، فترك تايهيونغ 

أشبه بالموت المطلق، لا تعلم متى وقعت في حبه 

هكذا لكنها لا ترى بداية ليومها إن لم يكن موجودا به 

أعاد الاثنان تغطية رأسيهما ليبدأ المسير نحو المجهول 


أيا كان ما سيحدث في المستقبل هما جاهزان لمواجهته

معا، والأجمل أنهما قد رحلا دون معرفة الفوضى التي 

ستحل بالقصر قريبا. 

في تمام الثالثة مساء ذلك اليوم 


صعدت رين إلى قمة ذلك الجبل المحادي للمعبد حيث

كانت روزي تنتظرها 


وحال وصولها وقفت تتساءل بنبرة هادئة

"قلت أن شوهوا وييجين سوف تصلان قريبا، مر نصف

يوم على وجودك هنا ولا أثر لهما، ماذا فعلت بهما يا ترى" 


كانت المتحدثة واعية بما حدث، لكن الأسئلة العابثة 

ليست إلا جزءا منهن، هكذا كان أسلوب حديثهن جميعا 

ادعاء عدم المعرفة وإلقاء أسئلة عابثة


"تعلمين جيدا الإجابة على سؤالك فلا تضيعي وقتي"


تحدثت روزي من على الجهة الأخرى حيث كانت تقف

على الحافة، الهواء العليل يحرك خصلات شعرها وعيناها 

مغلقتان، تستشعر المكان حولها، تتواصل معه وتتشبع

برائحته، تصبح جزءا منه، وتشعر بأن جسدها أكثر خفة 

حاولت الأخرى مباغتتها بهجوم سريع من الخلف لكنها 

تركت جسدها يهوي فجأة من على الجرف، بحركات 

رشيقة تقفز من صخرة لأخرى وتتزحلق فوق الملساء منها


كانت سرعة سقوطها كبيرة جدا لكنها كانت تحفظ 

المكان جيدا، وقعت من هناك مرات كثيرا وتدربت مرات 

أكثر لتستطيع فعل ذلك بأعين مغلقة 

رين وقفت للحظة على الحافة قبل أن تلحق بها فبعد 

أن وصلت روزي إلى المعبد بمفردها، أرسل المعلم 

الأكبر رين في مهمة البحث عن شوهوا وييجين، وقد 

أخذ منها الأمر وقتا طويلا جدا حتى استطاعت العثور

على جثتيهما، معلقتين عاليا بين أغصان الغابة 

سيستغرق الأمر وقتا طويلا حتى يلاحظ أحدهم وجود

الجثتين هناك

وحالما أخبرت المعلم بذلك، أمرها بقتل روزي فورا 

وأمر الرهبان بمحاربتها في حال رؤيتهم لها 


وها هي ذي تلحق بها على سفح جبل قاتل 


نظرا لسرعتها وقوة الجاذبية فإن التوقف في منتصف 

ذلك الجرف كان مستحيلا بالنسبة لها، هي لم تتدرب

على ذلك كونها فعلت مرة واحدة وحصلت على كسر

سيئ في ساقها 

هذه الفتاة لطالما كانت أقل جرأة من روزي، كانت 

أكثر قابلية للتغيير، لكنها شديدة الغيرة والكبرياء 

رغم نجاحها في إخفاء ذلك 


فتحت عينيها فجأة بحركة لا إرادية حين شعرت 

بجسد الأخرى يتجه نحوها، وهو أمر شبه مستحيل 

كشفت عن أعينها البيضاء وحاولت التوقف عن السقوط

لصد الهجوم المتجه نحوها، لكن ذلك فقط أربكها أكثر

وجعلها تخسر تركيزها 

روزي استطاعت التحكم بجسدها وأوقفت سقوطها 

ذاك ثم عادت لدفع نفسها للأعلى بقوة اكبر مباشرة

صوب الجسد الذي يسقط بحرية لا يحكمه شيء 

سوى قوة الجاذبية، فكان سهلا عليها أن تغرس الخنجر

وسط قلبها دون مقامة ولا قتال متعب 

فهي تريد ادخار أكبر قوة ممكنة للقتال الأخير 


بالرغم من أن رين كانت قوية جدا الا أنها متسرعة 

ولم تكمل يوما تدريباتها، في الواقع لا يوجد من أكمل

تدريبات المعلم غيرها، وهذا كان سبب اختياره لها لأجل مهمة الاقتراب من الإمبراطور

تركت جسد رين يكمل سقوطه ثم نزلت لتتأكد من موتها


جسدها كان محطما والخنجر غرس عميقا في صدرها 

وخرج من الجهة الأخرى، كانت ميتة بالفعل


تنهدت وتركتها لتسير عائدة إلى المعبد بعد أن سلكت

الطريق المعتادة عبر السلالم وصولا إلى البوابة الأمامية

وهناك كان الرهبان في انتظارها 


لم يسبق أن فاز أحدهم ضد المحاربات لكنهم الآن 

مجتمعون، خمستهم مع ثلاثة معالجين يصبحون 

ثمانية مقاتلين لا يستهان بهم 

ضربة واحدة تكفي لكسر عظام جسد رجل بالغ 


لكن ذلك لا يخيفها فهي تدربت اكثر منهم بكثير


يمكن القول أنها لو أكملت تدريب تايهيونغ لأصبح 

في نفس مستوى قدراتهم، وهو استطاع قتل الأمير

بضربة واحدة 

رغم ان الأمير كان ضعيفا بالفعل وهو مجرد مراهق

إلا أن ضربة تايهيونغ كان تعتبر قوية جدا، فهو استطاع 

كسر عظام صدره وتسبب في توقف قلبه لأنه استهدف

النقطة الصحيحة 


بضع سنوات أخرى من التدريب وسيصبح تايهيونغ 

بنفس قوة هؤلاء 

وقفت بصمت تغلق عينيها ليبدأ أحد المعالجين بالهجوم 

أولا من جهة اليسار مستخدما قبضته يحاول استهداف

عنقها


لكنها أمسكت يده وسحبتها بسرعة هائلة تطوي ذراعه 

كالورقة فيسمع صوت انكسار عظامه ويبدأ بالصراخ 

متألما لتتركه وتمسك ساق الآخر الذي هاجم من على 

اليمين تسحبه منها ليقترب فتصل إلى عنقه وبضغطة 

قوية واحدة في المنطقة الصحيحة جعلته يقع ميتا 

لم يكن الهجوم قد توقف، بل كان متتاليا وسريعا 


أحد الرهبان حمل رمحا لطعنها لكن انتهى به الأمر يطعن

زميله وسط عينه، ولأنه تفاجأ وخسر تركيزه لجزء 

من الثانية بسبب ذلك، وجد نفسه يصرخ بذراع مكسورة

حركاتها وتركيزها لم يتراجع، كانت تقف بين اثنين 

تبادل بينهما بضرباتها للأعلى والأسفل، بسرعة هائلة 

تستهدف أضعف النقاط 


العنق، الصدر، الجوانب والجزء الداخلي للفخدين

لكمة واحدة هناك تشعره بالشلل، فيعطيها ذلك بضع 

ثوان لتقاتل غيره قبل أن تعود إليه وتضربه مجددا 


هذه التفاصيل كانت دقيقة وفي نفس الوقت سريعة 


وخلال بضع دقائق استطاعت الانتهاء وطرحهم أرضا 

قبل أن تعود لتحمل الرمح وتنهي حياتهم

حاولت التحكم بتنفسها وأخذت نفسا عميقا بينما 

تمسح بعض الدماء من على شفتيها 


حصلت على بعض الجروح أثناء القتال لكنها لم تلاحظ 

ذلك، لم تلقي لها بالا، فهي أتت وفي نيتها الموت، لذلك 

فإن الجراح الصغيرة لا تساوي شيئا هنا، ليس مقابل 

ما مرت به، ولا ما قد تمر به بعد قليل 

ابتلع ريقه وقطب حاجبيه عندما شعر بجفاف حلقه 

وببعض الألم في صدره وأطرافه، الألم ينبض في رئتيه 

ويقطع جسده ببطء، لم يستوعب بعد ما يحدث حوله 

ولا كيف انتهى به الأمر متألما هكذا 

فتح عينيه وحدق في سقف غرفته للحظات قبل أن 

يتذكر ما حدث فاتسعت عيناه ورفع رأسه بسرعة 

ينظر حوله بهلع وهذا الشعور قد طغى على ألمه فكاد

يرفع جسده لينهض لولا أن يونقي قد كان قريبا منه 


نظر بارتباك ناحيته فهو لم يلاحظ وجوده حتى الآن 

ويونقي وضع يديه على كتفيه برفق ليجعله يعود 

للاستلقاء ففعل 

"ماذا حدث؟ أين هي الإمبراطورة؟؟" 


خرج صوته مبحوحا و متحشرجا فنهض يونقي يسكب

له كوبا من المياه بينما يجيب


"لقد تعرضت لتسمم خطير مولاي، رجاء اهدأ واسترح 

سوف يأتي المستشار بارك بعد قليل ويخبرك بالتفاصيل" 

"مين يونقي تحدث أين هي الإمبراطورة؟؟" 


رفض جيمين شرب المياه من يدي الطبيب وظل يحدق

في وجهه بتعابير مظلمة فتنهد يونقي باستسلام 


"لقد رحلت، رجاء مولاي خذ نفسا عميقا واهدأ، أعدك 

أن المستشار سيشرح كل شيء فهو آخر من تحدث معها"

أكمل سريعا قبل أن يحاول جيمين القيام بأي فعل

متهور كالنهوض وجمع جيشه للهجوم على المعبد فمن 

الواضح انها قد ذهبت هناك 


وحين سمع جيمين أن مستشاره يعلم شيئا اخذ كوب

المياه من يد الطبيب وشربه دفعة واحدة قبل أن يردف

"لديك دقيقة لتحضر بارك وتضعه أمامي، تحرك" 


هسهس جيمين بحدة ليومئ يونقي فورا ويغادر

الغرفة يلعن حظه الذي وضعه في طريق الإمبراطور 


فهو عادة ما يكون في مزاج سيء حين يستيقظ من 

النوم فما بالك به حين يستيقظ بعد أن تسمم وتوقف قلبه 

لحسن حظه كان كوك قريبا وفي طريقه إلى حجرة 

الإمبراطور فدفعه للإسراع أكثر 


وحين امتثل المعني أمامه كاد يحرقه بنظراته الغاضبة 


شعور الألم قد بدأ يقل وهو يستطيع التحكم به والاعتياد

عليه، لكن شعور الخيانة لا يكف عن إيذائه، بالكاد يجبر

نفسه على الجلوس في سريره والاستماع إلى ما سيقوله

كوك 

"في الأمس، جلالتها طلبت التحدث معي في غرفتها 

لقد كنت متفاجأ من طلبها لكنني لحقت بها على ك-" 


"اختصر!!" 


صاح جيمين لينتفض كوك مكانه قبل أن يتحدث

مباشرة دون مماطلة وبسرعة

"قالت أن المعلم الأكبر من المعبد ارسلها في مهمة 

لحماية جلالتك، لكن كان ممنوعا عليها أن تستعيد

مشاعرها وبصرها، وعندما فعلت ذلك هي كسرت 

القوانين، ذلك اليوم حين أصيبت بالسهم في ذراعها 

كانت تلك إشارة من المعبد إلى أنها ستعاقب 

فقد كان هناك فتاتان من المعبد تراقبانها طوال الوقت 

وتتناوبان على إيصال تقرير عنها للمعلم الأكبر، ومؤخرا

قالت أن الأوامر تغيرت وأنهم بدل أن يطلبوا منها 

حماية جلالتك، أمروها بقتلك


أخبرتني أنها لا تستطيع تنفيذ ذلك، لكن إن لم تفعل

بنفسها فسوف يرسلون غيرها لقتلك، لذا استخدمت

نوعا من السموم الذي يوقف وظائف الأعضاء مؤقتا

ويجعل النبض بطيئا ومنخفضا، حتى تبدو ميتا 

قالت أن عليها الرحيل بعد أن تتظاهر بقتلك، هكذا 

ستبعد عنك الخطر وستقتل من يريد بك السوء"


صمت كوك بعدها وبقي يحدق في الأرض بصمت 

ينتظر أن يسأله جيمين عن شيء ما، لكن هذا الأخير

لم يكن قادرا على التفكير بوضوح بعد كل ما سمعه

وشعر بالكلمات تعلق بحلقه 

قلبه ينبض بقوة مؤلمة لا يدري ماهية شعوره في تلك

اللحظة، عقله كان يحاول استيعاب كل تلك المعلومات 

دفعة واحدة، أنها أتت خصيصا لحمايته، وخرقت 

القوانين بسببه ومع ذلك هي لم تهتم ولم ترفض أن

تعود بصيرة رغم معرفتها بعاقبة مخالفة الأوامر

كل ذلك بسببه، لأجله.. 


أغلق عينيه ومسح على وجهه بكفيه ليتذكر تلك الهمسة

الأخيرة التي سمعها 


كانت خافتة جدا، وبدت بعيدة، لكنه سمعها 

'أحبك' 


عاد لفتح عينيه ورفعهما إلى هيأة الذي مايزال واقفا مقابل سريره ثم أردف بصوت ضعيف


"هل هذا كل شيء؟" 


"أجل مولاي، هي أخبرتني بكل هذا لكي تعطيني في 

النهاية ترياق السم، وأخبرتني أن أدخل الغرفة قبل 

الفجر بقليل وأعطيك إياه ثم أطلب الطبيب مين 

ليهتم بجلالتك" 

ذلك السم لم يكن سريعا وفي نفس الوقت لم يكن آمنا

فهو كان سيموت بعد مدة معينة لذلك احتاج للترياق 

وإلى بعض الأدوية الجانبية والاهتمام ليخفف عنه الألم

الذي يلي التسمم 


فبعد أن تتباطئ نبضاته سيحل بجسده ضرر كبير

وينتج عنه ألم شديد 

نظر عبر النافذة إلى ضوء النهار وجزم أن الوقت 

قد اجتاز منتصف النهار، لم يفقد الوعي لمدة طويلة 

فقد أخذ الترياق بعد دقائق قليلة من التسمم لو تأخر

لما استيقظ قبل حلول الظلام


رفع كوك أنظاره صوب الإمبراطور، ليجده سارحا 

يحدق في الخارج بملمح حزين

حيث كان يشعر بالفراغ المفاجئ، يفكر بعمق ولا 

أحد يدري إلى أين ستاخذه أفكاره 


طرق الباب فجأة ليدير جيمين وجهه نحو الطبيب

الذي دخل وخلفه الخدم يحملون الطعام فتنهد وأعرض

عليهم لعدم رغبته بتناول اي شيء الآن 

لكن انتهى به الأمر مجبرا بعد أن أخبره يونقي أنه

بذلك سيشعر بتحسن فوري وسيقدر على التفكير

بشكل أوضح


وغادر الجميع بعد ذلك تاركين إياه بمفرده 


وقف كوك ويونقي أمام باب جناحه لبضع دقائق 

يتبادلان الحديث ليتنهد الاثنان بحسرة 

"أتظن أنه سيكون بخير؟" 


تحدث كوك 


"نعم ولا، كيف تتوقع مني أن أعلم كيف يشعر الآن

انا طبيب ولست قارئ أفكار" 


تجهم وجه الأصغر ليدير جسده ويبتعد عن الطبيب 

المزعج لكن قبل أن يكمل خطوتين فتح الباب ليظهر

جيمين من خلفه فانتفض الاثنان لصوت الباب المفاجئ

وظهوره الغير متوقع وهو يرتدي ثياب القتال ويحمل 

سيفه بيده

نظرة واحدة إلى وجهه كانت كفيلة بإعطاء من حوله 

فكرة عما ينوي فعله، فابتعد كوك ويونقي عن طريقه 

فورا ينحنيان له وهو مر من أمامهما بقامة شامخة 

وهيأة قوية لا يبدو عليه الألم ولا التعب، لكن قبل أن 

يختفي عند الردهة استطاع كوك أن يلمح تلك 

الورقة التي يشد عليها بيده 

أمر سريعا باحتشاد جنوده ووضع خطة للهجوم على 

المعبد، ثم أمر الملازم هوسوك بوضع تشكيلات متفرقة

من الجنود لمهاجمة مناطق معينة حددها على الخريطة

بدقة


ثم أمر بتكثيف الحراسة حول القصر وجعل قائد 

الجيش يقف على أهبة الاستعداد لصد أي هجوم مباغت

انتهى من ترتيب دفعة الجنود الذين سيرافقونه مباشرة إلى المعبد وبأقصى سرعة لديهم 


عيناه تفيضان بالإصرار ولا يبدو كمن يتقبل الاستسلام

والتخلي بلا قتال 


هو إمبراطور لطالما كان يدافع عن أملاكه فكيف سيجرأ

على ترك زوجته تموت بعيدا عنه هكذا!

أخذ منهم الطريق بضع ساعات، وحين بدا لهم المعبد 

مرئيا من بعيد كانت الشمس قد بدأت تغيب بالفعل




في تلك الأثناء داخل المعبد 


كانت تقف بصمت تحدق في لوحة ورقية طولية

معلقة على الجدار في قاعة واسعة بمنتصف المكان 


كانت القاعة تستخدم للاجتماعات السريعة أثناء 

التدريب، حيث يصعد المعلم الأكبر على الدرج ليقف

مواجها إياهم وهم بمستوى أقل يخفضون رؤوسهم 

يستمعون بانتباه لما يقوله

هذه القاعة يغلب عليها اللون الأزرق وهي باردة دوما

ولها بوابة تطل على باحة التدريب الخارجية 


حدقت مليا في تلك اللوحة الجميلة التي تصور 

طائر مالك الحزين يقف في بركة مياه ورأسه مطأطأ

للأسفل، و توجد دمعة تسيل من عينه السوداء 

ريشه مبلل، ويبكي بصمت مطلق، كان غريبا أن ترى

لأول مرة حيوانا حزينا


كيف له أنه يعطي هالة الحزن، بل كيف استطاع الرسام

أن يخط الحزن على الورق، كيف له أن يجسد المشاعر 

بهذه الطريقة الجميلة

"الطائر الحزين، تجسيد نقي للمشاعر السلبية المتراكمة 

في أوج تضخمها، هو طائر حقيقي، حين تجف مياه 

بركته يضطر للرحيل عنها فيشعر بالحزن، يمكن لهذا 

أن يعني الكثير ويشرح الكثير، هو فقط يعتمد على 

طريقة تفكيرك وربطك للأحداث" 

تكلم المعلم الذي كان يقف خلفها على بعد أمتار 

يعطيها بعض الوقت لتتأمل اللوحة كما تريد 


"لكن البركة هنا ليست جافة، ومع ذلك هو يبدو حزينا"


"بعض الطيور قد لا يكون أقصى همها هو الطعام والمياه 

كغيرها من الطيور، لربما هناك ما سبب له حزنا أشد 

وجعله يبكي أيضا، فالطيور لا تذرف الدموع" 

"عجبا له، طائر يحمل مشاعر أكثر من بعض البشر" 


"البشر يستخدمون المشاعر في السوء، الحيوانات لا 

تتبع مشاعرها بل غرائزها هي ما يسيرها للنجاة"


"وبماذا سنصف بشرا بلا مشاعر ولا غرائز؟"

"أشباح، ببساطة"


لم تجب على ذلك وصمتت قبل أن تشعر به يتقدم منها 

فأخذت نفسا عميقا وأغلقت عينيها لتركز 


"الطائر الحزين في هذه اللوحة قد فقد شريكته، وهو 

يبكي عليها، لكنه لم يعلم أن البكاء قد قلل من قيمته 

أكثر، فقد كان يعيش في بركة من صنع البشر، وأثناء

مراقبتهم إياه وجدوه يبكي، فلم يعجبهم رؤيته كذلك 

هم يريدون منه أن يبدو جميلا يزين حديقتهم، لذلك 

فإن حزنه لم يكن يهم أحدا، حداده على شريكته أودى

به إلى النحر، وانتهى أمره ميتا ليحضر البشر غيره 

طائر اخر جميل لا يحزن، بلا مشاعر موضوع فقط

للزينة، فإن أردت أن تعيشي، توقفي عن ذرف الدموع 

فهي لا تهم أحدا، وعيشي مجددا كما خطط لك القدر"


تحدث في محاولة أخيرة منه لإرجاعها إلى صوابها فهو 

يعلم أنها قتلت الجميع 

قتلت أحد عشر شخصا كل منهم أفنى على الأقل نصف 

عمره في التدريب


قتلتهم جميعا في بضع ساعات 


"أنا لا أفهم.. لماذا طلبت مني فجأة قتله بعد أن كان 

دوري هو حمايته؟ "

سار المعلم ليتجاوزها ويقف على بعد خطوات منها 

فيقول


"المستقبل تغير" 


عم الصمت للحظات قبل أن تطلق هي ضحكة صاخبة

جعلته يلتفت باتجاهها لتتوقف عن الضحك وتتحدث ساخرة

"هل تظنني غبية لأصدق هذا الكلام؟ لقد علمت الحقيقة

بالفعل، فلا تحاول خداعي بهراء المستقبل والقوة الخارقة

التي لم تمتلكها يوما" 


لاحظت بعض التوتر الذي ظهر سريعا على وجهه قبل 

أن يخفيه، وعلمت أنها أصابت

"لقد اكتشفت ذلك مؤخرا، ولأصدقك القول فقد كنت 

متفاجأة جدا فأنا لم أتوقع أن تكون مجرد وحش منافق 


لقد اكتشفت أنك تنوي مساعدة قبائل المغول والأقليات

المنتشرة حول الصين لدخول الإمبراطورية ونشر 

جذورهم بها، بينما ترسل لكل قبيلة راهبا يدرب رجالها

بالسر كي تصنع جيوشا لا تقهر

أرسلتني إلى القصر لأحمي الإمبراطور بعد أن علمت أن 

هنالك مكائد تحاك ضده من طرف وزراء بلاطه، خشيت 

أن يصعد أحدهم للحكم مكانه فيتم تغيير القانون 


بما أن الإمبراطور الحالي شخص عادل فهو يسمح 

للمغول بالعيش على أراضيه بسلام ولا يشدد الحراسة

عليهم ولا يطلب منهم ضرائب زائدة 

لو أن أحد هؤلاء الوزراء هم من جلسوا على العرش

فسوف ينهبون الأرض ويضاعفون الضرائب ويطردون

الناس من أراضيهم لشدة جشعهم 


وأنت لا تريد من يفسد هذه البلاد لأنك ترغب بها 

كما هي، بكل خيراتها، تريد صنع جيش يضاهي قوة

جيش الإمبراطور، ثم تشن الحرب وتجعل المغول 

يسيطرون على الصين، بما أنه جيش سري فلا أحد 

سيعلم شيئا عنهم وسيكون صعبا على جيش الصين 

توقع هجومهم ولا أساليبهم

وهذه البلاد ليست هدفك الوحيد، فقد بدأت تنشر

بعض القبائل على حدود كييف روس، يقطن بعضهم حاليا 

في منطقة سيثيا يدعون أنهم مجرد رعاة 


أنت حتما تفكر في احتلال مناطق كثيرة في المستقبل 

والآن، أنت بدأت تشعر بالخطر 


فالامبراطور قد بدأ يلاحظ تحركاتهم المثيرة للشك 

وقد أرسل مؤخرا الكثير من الجواسيس إلى الأقليات

المهمشة لمراقبتهم، وشعر بشكوكه تتضحم حالما أتاه 

خبر أن رجال تلك الأقليات يبدون ذوي مهارات حربية 

غير طبيعية

كان عليك قتل جيمين وبدأ الحرب الآن، الهجوم 

المباغت على القصر فور وفاة الإمبراطور سيضعف

صفوف الدفاع ويسهل عليك احتلال القصر، وإذا

استطعت احتلال القصر فسوف تحكم البلاد وتعلن

أنك قتلت الإمبراطور"


الرجل العجوز لم يستطع كبح تعابيره أكثر من ذلك 

وسمح لوجهه بأن يظهر انزعاجه ودهشته من كمية 

المعلومات التي تعرفها 

فهو متأكد أن لا أحد يدري بما يفعله 


لا أحد حتى أقرب الرهبان إليه لم يكن يدري عن الأمر شيئا 


وبما أنها تعلم، فهذا يعني أنها لم تقتل الإمبراطور

انتفض جسده فجأة بلا سابق إنذار ليندفع باتجاهها 

يهاجمها، لكنها توقعت ذلك الهجوم واستطاعت تفاديه 


لقد كان سريعا، حركاته قوية جدا ودقيقة 


هو على قدر عال من التدريب، هو من علمها القتال 

ولطالما أخبرها أن المعلم دوما يحتفظ ببعض الأسرار

لنفسه لا يفصح عنها لتلميذه، كي يظل دوما أقوى 

ولا يتفوق التلميذ عليه يوما 

لكن روزي مختلفة


هي لم تعتمد يوما على تدريبه فقط، هي اكتشفت 

طرقا أخرى واستطاعت تطوير تدريباتها بنفسها


مما يجعلها متقدمة على غيرها من المحاربين الذين 

تدربوا على يده و اتبعوه هو فقط 

لكن ذلك لا يغير شيئا من كونه أكبر منها بكثير وقد 

تدرب ثلاثة أضعاف سنوات تدريبها 


حركاته كانت سريعة ذات إيقاع متناغم وكأنه يتوقع 

تحركاتها ويحاول الوصول إلى إحدى نقاط ضعفها 

لكنها تتفاداه ولا تسمح له بالاقتراب كثيرا، فضربة 

واحدة من قبضته في المكان الصحيح وسينتهي 

بها الأمر ميتة على الفور، وإن لم تقتلها الضربة فسوف

تشل حركتها وتشتت تركيزها وذلك يليه الموت حتما

قفزت من أعلى الدرج لتستقر بعيدا ويبقى هو مكانه 


"سؤال أخير" 


تحدثت ليظل صامتا يعطيها الإذن فأكملت


"من رسم تلك اللوحة؟" 

"أنا رسمتها" 


وفور إجابته قفز هو الآخر باتجاهها فابتعدت للخلف


لكنه كان أسرع هذه المرة فضرب بطنها بقدمه لتتراجع 

محاولة التحكم بتوازنها لتقفز إلى اليسار وتستمر

بالابتعاد عنه قدر الإمكان فإن توقفت بمكان واحد سيقتلها

مع أنه يبدو متساهلا الآن، فلو هاجمها بقوته الحقيقية

لا تعلم ما سيحدث


لحق بها فورا وهي أعادت إحكام عضلات جسدها لتندفع

ناحيته رغبة بالهجوم فهي لا تحبذ التهرب، لكنها كانت 

فكرة سيئة 

صد بعض ضرباتها السريعة وقبل أن تحاول الهرب مجددا

سحب ذراعها اليسرى ووضع يده خلف كتفها ليدفعه 

للأمام ويسحب ذراعها للخلف فيخلع كتفها من مكانه 


صرخت بألم ليتركها قبل أن تصيبه بالخنجر الذي 

أخرجته من تحت ثيابها فأمسكت كتفها وبدأت تتنفس

بصمت لتتحكم بذلك الألم وتستقيم مجددا 

"عكس ما توقعت فإن قوتك لم تتراجع بعد أن استعدت 

بصرك، بل ازدادت، لكنها ماتزال غير كافية لمواجهتي" 


تحدثت وهو يسير بضع خطوات أمامها مكتفا يديه 

خلف ظهره، لا أحد يفعل ذلك أثناء مقاتلتها، جميعهم 

يكونون مترقبين لما ستفعله، مستعدين دوما في حضرتها

حتى الإمبراطور كان في قمة تأهبه حينما بارزها


وكم كرهت ذلك، عدم شعوره بالقلق من قتالها يجعلها 

تتنبأ بخسارتها، وإذا خسرت لا تعلم إن كان جيمين 

سيستطيع العثور عليه، فهو سيترك المعبد طبعا ولن 

يعلم احد مكانه، سوف يدير الحرب من داخل عرين سرب

والاسوء أنه سيستمر بصنع المزيد من المحاربات فهو

قد خسرهن جميعا وسيحتاجهن مستقبلا للسيطرة على

دول أخرى 


مدت يدها السليمة إلى الجدار لتحمل خنجرا أطول 

وأخف من الذي كان معها ثم تعاود الركض نحوه 

والهجوم لكنه تفاداها مجددا وأمسك معصمها ليضغط

عليه فعلمت أن ينوي كسره لذا كانت ردة فعلها أسرع 

تركت الخنجر من يدها لتمسكه باليد الأخرى وتطعنه به 


أفلت رصغها حينئذ لتتراجع للخلف وتحدق به وهو 

يمسك بمقبض الخنجر المغروس في جانبه ليخرجه 

ببطء كأنه لا يشعر 

"حركة جيدة، ما كانت لتنجح لولا سرعتك، لقد

ازدادت قوتك حتما، وقد كنت لأفتخر بك الان لكنك عصيت

أمري، ياللخسارة" 


لف الخنجر بين أصابعه بخفة قبل أن يرميه نحو رأسها


ولأن المسافة بينهما لم تكن كبيرة هي لم تستطع التحكم 

بجسدها لتتفاداه وما كان منها إلا أن رفعت يدها  فيخترقه

الخنجر بأكمله حتى تلامس المقبض مع كفها

تلا ذلك هجوم آخر منه وهي لم تكن لتقوى على تفاديه

اكثر ولا ترغب بالمزيد من الجروح التي تستنزف طاقتها


فقفزت للخلف وتراجعت إلى أن خرجت لساحة التدريب

هربا منه

وكانت الساحة مليئة بالأسلحة تطل على منحدر شاهق


من يسقط منه يموت، فلا عجب أن ذلك السفح مليء

بالهياكل العظمية المخفية تحت الأشجار والنباتات الطويلة

حمل هو عصا عادية من على الرف وهي أخذت رمحا

طويلا أحمر اللون وأغلقت عينيها تحاول التركيز 


تذكرت أيام تدريبها معه حين كانت طفلة


كان يدربها بمفردها بعض الأحيان، ولطالما انتهى بها 

الأمر مع إصابات مؤلمة، فتترك طوال الليل لتتحكم

بألمها وتدبر أمرها بمفردها دون علاج 

تتذكر حين تدربت هنا لأول مرة 


جعلها تتعثر وتسقط قرب الجرف عدة مرات لتحصل 

على كدمات موجعة، كان دوما يوبخها على عدم قدرتها 

على حفظ التوازن مما يؤدي إلى سقوطها 

لكنه في النهاية أخبرها أنه قد كان فخورا لأنها لم 

تسقط من ذلك المكان، لم يستطع رميها من على الجرف

القاتل 


وذلك كان أول اختبار، فمن ينجو يتم تدريبه، ومن 

يسقط يموت 

استقامت بجسدها وخفضت ذقنها لتمسك الرمح 

بشكل طولي بيدها المجروحة تضع قرب جسدها، ترخي

ذراعها الأخرى وتبدو بوضع غير مستعد للهجوم


حينها ارتفع طرفا شفتيه بابتسامة صغيرة وقرر 

مجاراتها، فتلك الوضعية هي نفس الطريقة التي

كان يأخذها حينما كان يدربها

يأمرها أن تهاجمه فيتفاداها ويحاول ايقاعها


دفع بقدميه بقوة ليقفز ناحيتها يقطع المسافة 

بينهما ويحمل عصاه عاليا ليجهز عليها، يستعد لتغيير

خط ضربته حين تحاول تفاديه يمينا أو يسارا

لكنه لم يتوقع أن تبتعد للخلف وتسقط نفسها من على 

الجرف فيستقر هو على الحافة 


وقف هناك وأرهف مسامعه ليعلم ما تفعله، لكن الذي

تلقاه كان شيئا آخر هو لم يستطع التنبؤ به

سرب من السهام أطلقت باتجاهه كالمطر من حيث 

لا يعلم، ولأنها كانت كثيرة والمسافة بينه وبين أقرب

مكان آمن بعيدة، لن يستطيع صد كل السهام بتلك 

العصا، ولن يستطيع بلوغ المعبد في الوقت المناسب 

فلم يسعه إلا أن يقف مكانه مستسلما لمصيره

اخترقت السهام جسده بالكامل وغطت الساحة بأكملها 

تنهي حياته وتضع حدا لجنونه


حينها عادت روزي لتسلق ذلك المنحدر بعد أن كانت 

معلقة في الأسفل بكل قوتها، الألم لم يكن يشكل عائقا 

لكن يدها كانت زلقة بسبب الدماء، فاستخدمت الرمح

لتثبت نفسها لأن السقوط سيكون مؤلما جدا

جيمين أخفض قوسه ونظر إليها لتلتفت هي أيضا

وتعلق عينيها بخاصته عبر المسافات الفاصلة ثم تبتسم

بوهن قبل أن تتجه إلى الدرج الأمامي للمعبد ويفعل هو نفس الشيء

ترك حصانه وركض سريعا يرتقي الدرج الحجري 

ليراها تنزل بسرعة أكبر وابتسامة واسعة تشق وجهها 


عيناها تفيضان بالمشاعر وقلبها يخفق بشدة، السعادة

تبدو واضحة كل الوضوح على هيأتها 

شعرت أنها تحررت أخيرا من قيودها، لا مزيد من 

الكذب لا مزيد من الأسرار، لا مزيد من الخوف ولا 

تزييف المشاعر وإخفائها


من الآن فصاعدا لن يكون هناك ما يمنعها من الاستمتاع

بحياتها معه، لن تتصرف ببرود مجددا ولن تكبح مشاعرها

معه خوفا من أن يتعلق بها فيؤذيه رحيلها 

توقف هو وفتح ذراعيه لترتمي إلى صدره تعانقه 

بقوة، وهو أحاطها  ليتنهد بارتياح لأنها بخير ولأنه 

لم يتأخر، يشد على جسدها إلى خاصته بقوة أكبر لكنه

سرعان ما خفف من قوته حين تذكر أنها قد تكون 

مصابة 


أبعدها برفق ليحيط وجهها ويتفحص بعض الخدوش

التي كانت على خدها وعنقها ثم انزل عينيه ليتفحص

جسدها، لم يكن هناك جراح واضحة سوى يدها فقطب

حاجبيه بألم وهو يرفعها فكاد يقول شيئا قبل أن تقاطعه

"إنه لا يؤلم، أشعر بأن يدي مخدرة اذا لا تقلق" 


"هل أصبت بمكان آخر؟ لقد أحضرت يونقي دعيه

يعالجك بسرعة" 


"سأحتاج لشخص قوي يعيد كتفي لمكانه" 

تحدثت وهي تبتسم كأنها تحكي نكتة لتتسع عيناه 

ويحول ناظريه إلى ذراعها اليسرى التي كانت مرتخية

ترتجف قليلا 


تعجب من مدى تحملها للألم فهي لم تبدو مصابة البتة 

وقد طغت السعادة على تعابيرها، شعور الفرح غمرها

وهي تنظر إليه بأعين لامعة مليئة بالحب

لانت ملامحه ليقترب يقبل شفتيها قبل أن يحيط 

خصرها بذراعيه ويضع الأخرى خلف ركبتيها ثم

يرفعها لينزل بها من على الدرج ويأمر جنوده أخيرا 

بالصعود إلى المعبد لتفقد الجثث الملقاة هناك 


سيتم ضم المعبد إلى ممتلكات الإمبراطور مما يعني

نقل كل الأغراض المهمة به إلى قصره 

ركب خيله وهي جلست أمامه بشكل جانبي تعانقه

بيد واحدة وتخفي وجهها في عنقه تنشر قبلات لطيفة

هناك وتشتت انتباه الإمبراطور 


بعد بضع دقائق وصلا إلى حيث جهز يونقي وزوجته 

خيمة للعلاج ووقفا بانتظارها 


أخبرته بإصابتها ودخل الأربعة للخيمة فتتم خياطة جرح

يدها أولا وتضميده ثم تعقيم الجروح النازفة على قدميها

والتي حدثت إثر الضغط الكبير عليها بالإضافة إلى أن 

ركلاتها كانت احيانا تصد باستخدام أسلحة قوية جرحت 

قدميها، جسدها كان يحمل الكثير من الكدمات 

لكن أسوء إصابة هي إصابة كتفها، وهي تعترف أنها 

لا تستطيع استخدام ذراعها خصيصا بعد أن أجبرت 

نفسها على تحريكها لطعن المعلم، وتلك الطعنة كانت 

تحتاج سرعة كبيرة وقوة اكبر أفقدها باقي طاقتها 

وزاد من سوء حال كتفها

جلس يونقي أمامها على ركبتيه ووضع قطعة قماش

بين أسنانها لتضغط عليها حال شعورها بالألم 


وضع يده اليسرى على كتفها من الأمام ويده الأخرى

أمسك بها ذراعها


كتفها قد خلع للخلف لذا كان عليه أن يعيده لمكانه 

"مستعدة؟" 


تحدث لتومئ له فأخذ نفسا عميقا وسحب كتفها بقوة 

لتضغط على أسنانها وتشد على عينيها بألم، لكنها لم 

تصدر أي صوت سوى تأوه خفيف بالبداية 


أعاد الكرة من جديد ثم أنزل ثوبها ليتفحص الإصابة

ويضغط بأصابعه عليها ليتأكد انه عاد لمكانه 

ليست أول مرة يعيد كتفا مخلوعا لمكانه، لكنها أول

مرة يفعل ذلك دون الحاجة لتثبيت جسد المصاب 

وربطه، كما أنها اول مرة يرى بها مصابا لا يصرخ 

فالالم فظيع وحتى أشد الرجال لا يقدرون على تحمله 

دون صراخ 

انتهى من معالجتها لتحضر لها الممرضة بعض الأدوية 

لتشربها قبل أن يربط ذراعها إلى عنقها ويخبرها ألا 

تحركها حتى تتعافى 


جيمين طوال هذا الوقت كان يراقب بملامح متألمة

يشعر كأن قلبه يعتصر لأجلها، بعد انتهاء الطبيب من 

عمله غادر هو وزوجته ليبقى هو معها 

فاقترب منها حيث كانت تستلقي فوق فراش أرضي

تتنفس بعمق، ترفرف عينيها بتعب وتنظر إليه فتظهر

ابتسامة صغيرة على شفتيها 


مسح بكفه فوق رأسها وانحنى يقبل جبينها فيقول

بصوت رقيق

"كيف تشعرين؟" 


"أنا سعيدة" 


قهقه بخفة وعدل جلوسه مقابلها ليضع يده على وجنتها

ويردف


"هذا واضح على وجهك، تبدين سعيدة كما لم أرك 

من قبل، بريق السعادة يليق بك" 

اتسعت ابتسامتها أكثر ليهيم بها كالمتيم العاشق

الذي هو عليه


لربما كان دوما يحبها بقدر هائل لكنه لم يكف عن الشعور

بحبه يزداد اتجاهها أكثر وأكثر

"هل أوصل لك كوك ما أخبرته به؟" 


"أجل، لكنه لم يخبرني أنك كتبتي لي رسالة، لو لم 

أخرج السيف من غمده لما وجدتها" 


"خشيت أن يغلبه الفضول فيقرأ الرسالة قبلك، ولم 

أجد من أثق به لذا تركت لك الرسالة في السيف" 

وتلك الرسالة قد احتوت على كل التفاصيل التي لم 

تخبره بها وجها لوجه 


أخبرته عن خطة المعلم والجيش السري الذي يدربه 

على أراضيه وهذا ما جعله ينشر جيشه قبل المغادرة

وتكثيف الحراسة حول القصر

وأخبرته عن أصغر الأسرار التي كانت 

تخفيها عنه، مثل مصدر الألماس الذي استخدمته 

لصناعة سيفه، تتذكر كم كره أن تخفي عنه سرا صغيرا

كذاك، لهذا لم تبخل عليه بأي معلومة 


كتبت له أسماء الحلفاء الذين يعيشون داخل قصره 

متنكرين، وأخبرته أيضا أنها قد قامت بتهريب تايهيونغ وحبيبته، فهو يستحق أن يعلم بفعلتها لكنه لم ينزعج

ولم يبقى في نهاية الرسالة إلا مكان لتعبر عن مشاعرها 

الأخيرة وأسفها لتركه بتلك الطريقة بغية حمايته 


أخبرته بأنها تحبه وتودعه في هذه الرسالة في حال 

ما إذا كانت ستموت 


وهي بالفعل كانت لتموت سواء بمفردها أو مع المعلم 

لولا وصوله مع جنوده، وهو أمر لم تتوقعه، ظنت أنه 

لن يجد الرسالة بتلك السرعة، اعتقدت أنه سيستغرق

ساعات أطول 


لكنه لم يخيب ذلك الأمل الصغير بداخلها، وجاء للمساعدة

بعد أن أنقذت حياته مرتين وحرصت على حمايته 


كان الوقت قد حان لينقذها هو 


"كم أنا محظوظ لوجودك بجانبي، لم تنقذي حياتي فقط

بل حياة الكثيرين، أنقذت إمبراطورية بأكملها وجنبتها

الحرب، لو استطعت الآن إهداءك السماء بنجومها لفعلت 

لكني لا أملك شيئا سوى عرشي وجسدي وحياتي وكلها

ملك لك بالفعل، أجد نفسي فقيرا أمامك" 

ابتسمت لترفع جسدها وتقرب وجهها من خاصته 

لتضع يدها على جانب وجهه وتريح جبينها فوق جبينه


"ماذا سأفعل بالسماء، فأنت تحمل النجوم في عينيك

بالفعل، لا أريد سواك، لا أريد شيئا غير العيش لبقية 

حياتي وأنا أغرق في حبك"

جالت يده على خاصتها لينزلها برفق ويميل برأسه

فيلثم شفتيها بلا تردد، يغمس أصابعه بين خصلات

شعرها ليدفع بها إليه أكثر 


اعترافها قد كان له أثر مهيب على كيانه، تأثير عميق

يبعثر دقات قلبه ويعبث بوعيه، فلا يبقى له إلا تلك 

الشفاه الحلوة ليعبر فيها عن ولعه، يدللها برقة، يغنج 

صاحبتها ويرتوي كلاهما من ثغر الآخر ما لا يشبع 

وهيج قلبيهما، بل يزيد من شعلة نارهما ويوقدها أكثر

سارت الدقائق ومرت الساعات، وبعد انتهاء الجنود من

حزم كل الأغراض المتواجدة في المعبد ركب الجميع

أحصنتهم عائدين إلى القصر


أما هما فقد كانا في العربة، يجلس هو بصمت وشبح

ابتسامة رقيقة يظهر على زوايا شفتيه بينما ينظر 

إليها وهي تضع رأسها على فخديه وتنام بهدوء 

يمرر رؤوس أصابعه بين خصلات شعرها ليزيدها 

شعورا بالراحة والاسترخاء 


نظر إلى خارج العربة ليرى قصره يلوح في الأفق تحت

ستار  الليل ذلك القصر الذي أصبح منزلا دافئا بعد أن فقد

نوره وألوانه، عاد ليبدو له مضيئا وبراقا كما لم يكن من قبل

غمره شعور بالحنين فجأة، وحين رفع ناظريه إلى

السماء لم يستطع إخفاء الدموع التي تدفقت بعينيه

تزيد لمعتهما حين انعكست أضواء النجوم على سطحهما

فتبدو عيناه توأما للسماء


سرح بالنظر وعادت ذكرياته إلى أيام جميلة 

ايام دافئة حيث كان العالم يبدو مليئا بالسعادة، حين

كان القصر ملونا وعيناه تعشقان منظر سطوع الشمس

كل فجر على حديقته السرية، وهو ينام في أحضان 

والدته بينما تمرر يديها الرقيقتين على فروة رأسه 

فتجعله يسترخي ويشعر بالنعاس

كان حينها يرى العالم من منظور جميل، انطفأ حالما 

رحلت أمه ولم يعد هناك من يلون قصره ولا من يعيره

عيناه ليبصر بهما جمال ما حوله


حين ماتت والدته هي لم تمت بمفردها 

هي أخذت ذلك الطفل الصغير معها وتركت نسخته 

الرمادية تجوب الأرض وهي فارغة 


لكن الآن 


عثر أخيرا على من يضخ به الألوان مجددا، على من 

يعيد إليه بريقه ويبصر النجوم في عينيه 

أغلق عينيه بعد برهة وأراح رأسه إلى جدار العربة

بعد أن همس لوالدته بأمنية جديدة، وغرق بالنوم 

والابتسامة تزين محياه. 


حدث أن كان هنالك إمبراطور قوي يحكم بلادا بعيدة


تزوج من امرأة قوية لم تشهد البلاد مثيلا لها قبلا 


شاركته الحروب وشهدت توسيع أراضيه بفضلها 


اعتلت العرش بجانبه ولم تكن يوما أقل حكمة ولا قوة 

ورغم اتخاذه لزوجة ثانية تنجب له ولي العهد المرتقب

هو لم يلقي البال يوما لامرأة غيرها 


حدث أن كان ذلك الإمبراطور، أول ملك يحظى بحياة جميلة

وبنهاية سعيدة. 

..النهاية..♥️


تعليقات

التنقل السريع