بعد ظهر اليوم
اثناء التدريبات القاسية التي يضطر
الجنود لإنهائها تحت اشراف الملازم
هوسوك
رفع يده اخيرا يشير لهم بالتوقف
فقد انتهت التمارين الاساسية
لليوم.. وما عليهم الان سوى
الانتشار في مواقعهم بأرجاء
القصر لتأخذ مجموعة اخرى
مكانهم في التدريب
جلس تايهيونغ على الارض يلتقط
انفاسه ويمسح عرق وجهه بكم
قميصه الأبيض بينما احد اصدقائه
يربت على ظهره
"لقد تدربت بجد هذا اليوم لا عجب
انك المفضل لدى الملازم من بيننا"
فتح تاي عينيه ليرمق صديقه بهدوء
قبل ان يرى من خلفه بارك روزي تسير
مبتعدة فاستقام متجاهلا نداء الاخر
ليلحق بها
بفستان احمر مزين وجميل تسير
بثبات نحو احدى حدائق القصر
لحق بها محاولا عدم لفت انتباهها
اليه لكن محاولاته فاشلة بالفعل
فهي تشعر بخطواته المتقاربة
نحوها لكنها لا تهتم به فهو
في نظرها مجرد فتى مزعج
وفضولي
غادرت القصر من البوابة الخلفية
وهو لحق بها سريعا يحاول عدم
تركها تغيب عن ناظريه ولو لثانية
واحدة فهي حينها ستختفي في
رمشة عين
ابتعدت كثيرا عن القصر متجاوزة
الغابة ووصولا الى الشلالات
وقفت هناك فوق احدى الصخور
المرتفعة والتي مشت فوقها
دون استخدام اليدين للتسلق
وهذا جعل تايهيونغ يفتح فمه
بدهشة
التل الصخري الذي جلست فوقه
كان منحدرا بشدة لكنه خشن
ويستطيع اي كان تسلقه
تسلقه وليس المشي عليه
والقفز من هنا الى هناك
بظهر مستقيم كما لو كانت
ريشة تتناقلها الرياح
اخذ نفسا عميقا واقترب من
تلك الصخور ليتسلقها مستخدما
يديه وقد كان ذلك صعبا قليلا
الجاذبية تصعب المهمة عليه
فكلما ارتفع كلما انجذب جسده
الى الارض
لكن بالاصرار يمكن تحقيق كل شيء
وليس مستحيلا على جندي مثله
تسلق صخرة كهذه
وصل الى الاعلى لينظر مباشرة
الى حيث تجلس القرفصاء على
الارض مشابكة ساقيها ويداها
مرتخيتان فوق ركبتيها
لم تكن تفعل شيئا سوى الجلوس
على الحافة المطلة على النهر
بظهر مستقيم ورأس مرفوع
اقترب ببطء ونظر الى وجهها
ثم نظر الى الاسفل
الارتفاع كان شاهقا والمياه
التي تصبها الشلالات كانت
جارية وقوية تخفي تحتها
صخورا مميتة
بلع ريقه وعاد الى الخلف ثم
جلس على بعد قدمين من الحافة
"احم.. ه-هل يمكنني سؤالك؟"
تحدث بقليل من التوتر وهو يترقب
ردة فعلها.. يعلم انها سوف تنزعج
من وجوده لكنها لم تقل شيئا
وبقيت صامتة على كل حال لذلك
تابع كلامه وطرح سؤاله
"كيف استطعت امساك السهم
ذلك اليوم؟"
مرت لحظات دون ان تجيب وقد
بدا له ان تلك هي طريقتها في
طرده لكنه بقي جالسا ينظر
الى جانب وجهها الهادئ
"هل تريد ان أعلمك؟"
تحدثت فجأة لتتسع عيناه ناظرا
اليها بغير تصديق.. هذا الاقتراح
منها كان اخر شيء قد توقع
سماعه.. هو حتى لم يتوقع ان
تجيبه
تاي: تريدين تعليمي كيف امسك السهم؟
روزي: هل تريد ان ادربك ام لا؟
تاي: اجل اريد طبعا اريد ذلك
متى سنبدأ؟
روزي: لم اوافق بعد على تدريبك
تاي: لكن.. انت من اقترح هذا؟
لا افهمك ابدا
روزي: سوف اقوم بتدريبك لكن
بشرط واحد
تاي: موافق
روزي: سوف تقترب وتجلس بجانبي
على هذه الحافة.. ظهرك مستقيم
مع رقبتك، ستبقى بهذه الوضعية
مثلي صامتا مغلق العينين لا تفكر
بأي شيء بتاتا، فقط تصمت وتسكن
حتى اقول لك كفى
تاي: أ-أنا..
روزي: استطيع الشعور بظهرك اذا
انحنى وبعينيك اذا فتحت لهذا فأنا
لا انصحك بالغش.. هذا ان اردت
ان تتعلم مني كيفية امساك السهم
وكيفية التسلق دون استخدام يديك
تاي: يا الهي هل هذا ممكن؟ استطيع
ان اصبح مثلك اذن؟
روزي: الشرط بدأ
استوعب بعد لحظات كلامها
فأجبر نفسه على الاقتراب
اكثر والجلوس بجانبها مباشرة
على الحافة مشابكا ساقيه
يريح يديه فوق ركبتيه ويقلد
وضعيتها
وجهه للأمام ظهره ورقبته مستقيمان
في خط واحد يحاول التوقف عن التفكير
تماما
فقط اخلاء العقل من كل شيء
وهذا ما يدعى بالتأمل
لكن الامر صعب عليه
من كان يظن ان عدم التفكير
هو لأمر صعب ومتعب
لكن من يصل الى ذلك الحد
من فراغ الافكار فهو شخص
محظوظ
ليس صعبا افراغ العقل من الافكار
لكن الصعب هو الاستمرار على
هذه الحال لوقت طويل فسرعان
ما ستتدفق الى دماغك وتشتتك
عن التركيز
لكن تاي سيحاول فكل ما رآه
منها حتى الان من قدرات ومهارات
يجعله مصرا على ربح الشرط
ليجعلها تفتح اسرارها امامه
غموضها جميل جدا بالنسبة له
ويجعله متحمسا للتدريب على
يدها
لكن الشرط كان اصعب مما يبدو
عليه
"قالت انها تشعر بانفتاح عيناي
وانحناء ظهري، لكنها لن تشعر
بتشتت افكاري فهي لا تقرأ
الافكار"
حدث نفسه مباشرة قبل ان
يسافر عقله بعيدا يتخيلها
تدربه وتعلمه كيف يمسك
السهام بيديه او كيف يصعد
المنحدر مستقيم الظهر
اشياء مذهلة سيستطيع القيام بها
ما ان تنتهي من التأمل الان
وتخبره انه نجح وهي تقبل تدريبه
الوقت مر ببطء شديد عليه لولا
خياله الواسع لكان قد استسلم
قبل ان تمر دقيقتان حتى
خمس دقائق تحولت الى نصف
ساعة وهي لم تحرك ساكنا
اما هو فقد بدأ يشعر بألم في
ظهره وعنقه و انحباس الدم في ساقيه
بالاضافة الى انه يكاد يفتح عينيه
في اية لحظة بسبب مكان جلوسه
على حافة مطلة فوق نهر
والسقوط من فوقه مميت
هي قالت له انه يمنع عليه التحرك
لهذا منع نفسه بكل ما اوتي من
قوة واصرار من فتح عينيه والنظر
اليها ليتأكد انها هناك.. فهو لا يسمع
صوت انفاسها ولا يشعر بوجودها
يخشى ان تكون ذهبت وتركته هناك
"الصبر.. فقط لنصبر حتى يمر
المزيد من الوقت وان بالغت في
الانتظار فسوف افتح عيناي"
..................
بالعودة الى القصر
كان الامبراطور يترأس مجلس
الاجتماع مع مستشاريه حيث
انضم إليهم اللواء سيو تايجي
القادم من احدى الممالك
القائمة على الحدود مع امبراطورية
الصين
كالعادة فإن ملكه قد أرسله لأجل
التفاوض على أمر الحدود تفاديا
للنزاعات
لكن جيمين لا يملك سببا للمحافظة
على أمنهم لذلك هو فرض الضرائب
على المملكة مقابل الحماية
تايجي: مولاي الامبراطور العظيم
نحن نتشرف بالوقوف داخل قصرك
من جديد
جيمين: تحدث بما عندك فليس لدي
اليوم بطوله لأجلك
تايجي: ح-حاضر.. سيدي
التفت خلفه وأشار لمساعده بالدخول
حاملا صندوقا ما
سار خلفه رجلان اخران يحملان صندوقين
متشابهين وجميعها كانت ممتلئة بعملات
ذهبية
وضعوها مصطفة امام جيمين الذي
حدق فيها بهدوء قبل ان يرفعوا اغطيتها
فتظهر العملات اللامعة من تحتها
كان اللواء يقف بشموخ وثبات عكس
دواخله المرتجفة خصوصا حينما
استقام جيمين مقتربا من الصناديق
مرر عينيه عليها جميعا قبل ان يركل
احداها فجأة لترتمي القطع الذهبية
على الارض
ونفس الشيء فعله بالصناديق الاخرى
تحت انظار الجميع المستغربة لتصرفه
هذا
اقترب بقامته المنتصبة نحو اللواء
يحدقان بأعين بعض حتى خفض
تايجي عينيه لعدم قدرته على
متابعة التحديق بالامبراطور
جيمين: كم هو المبلغ المتفق
عليه في الضريبة؟
تايجي: إنه.. تسعون ألف قطعة
مولاي
جيمين: وكم احضرت لي اليوم؟
تايجي: سيدي دعني اشرح لك
جيمين: اجب على سؤالي ايها
اللواء ما دمت اتصرف بهدوء
تايجي: خ-خمسون ألفا
جيمين: سأكون اكثر لطفا
واسأل.. أين بقية المال؟
تايجي: سيدي مملكتنا تعاني
من الجوع.. لا يمكننا توفير
تسعين الف قطعة في نهاية
كل شهر هذا كثير جدا.. المواطنون
لا يملكون شيئا لقد استهلكنا كل
اموالنا
جيمين: اجمع قطعك اذن وأعدها
إلى سيدك ثم ابلغه رسالتي..
تايجي: مولاي؟
جيمين: الافضل ان يستثمر هذه
الاموال في صناعة الاسلحة لأنني
قد أعلنت الحرب
تايجي: م-مهلا مولاي.. نستطيع
الوصول الى حل ما لما التسرع
لقد تفادينا الحرب لسنة كاملة
فقط امهلنا بعض الوقت لنبيع
بضائعنا وسنوفر بقية المال أتوسلك
مولاي
جيمين: كنت لتفكر بهذا قبل
المجيئ بضريبة ناقصة انت وملكك
عديم الفائدة.. انصراف!
......................................................
فرقعة صغيرة من اصابعها جعلته
يفتح عينيه وينظر اليها
"هذا يكفي لليوم.."
تحدثت ثم استقامت ليتبعها هو
مقوس الظهر لا يشعر بقدميه
لاحتباس الدماء فيها
اصدر اصواتا متألمة وهو يتمدد
ويحاول المشي ليلحق بها
تاي: مهلا.. لقد فعلت ما قلته لي
لقد بقيت ساكنا ولم افتح عيناي
بتاتا، متى سنبدأ التدريب؟
روزي: لن نفعل.. لم تنفذ الشرط
كاملا وانا لا ادرب من لا يستمع
لكلامي
تاي: ل-لكن.. مهلا هذا ليس
عدلا لقد جلست هناك بظهر مستقيم
ولم افتح عيناي ابدا هذا ما طلبته
روزي: اولا.. اخفض صوتك، ثانيا..
انت كنت ترتجف طوال الوقت وتكاد
تنهار كما انك تألمت
تاي: حسنا اسف لأنني لست مصنوعا
من الحديد مثلك وانا شخص يتألم
لأنني اجلس فوق حجر لعين وظهري
انقسم نصفين
روزي: هذا يعني انك لم تنفذ الشرط
كاملا.. طلبت الا تفكر ابدا، ان تريح
عقلك و تفرغه من كل الافكار لكنك
كنت تفكر طوال الوقت لهذا تألمت
تاي: رجاء اشرحي لي ما قصدك
روزي: الشخص الذي ينجح في افراغ
عقله من الافكار يصبح شبه فاقد
للوعي.. لا يشعر بالألم ولا يسمع
ما حوله، اما انت فقد كنت تفكر لهذا
سمعتني ما ان فرقعت اصابعي
ولهذا انت تشعر بالألم، لقد خسرت
لن أدربك
تحدث لتقفز من على الصخرة
وتستقر ارضا على قدميها ثم
تسير عائدة الى القصر
بينما هو بقي واقفا ينظر الى
الاسفل وهو يتذمر بألم
يشعر كما لو انه يسير على
إبر صغيرة تثقب قدميه وساقيه
وهذا من اثر الجلوس الطويل
بتلك الوضعية الغير مريحة
حتى لو انها رفضت تدريبه الا
انها شرحت له شيئا اساسيا
الخدعة تكمن في التفكير
لا نشعر بالألم الا اذا فكرنا به
وان ظنت انه سيستسلم لأن
فشل اليوم فهي مخطأة
سوف يلحق بها حتى ينجح
ويصل إلى المستوى المطلوب
سوف يصبح مثلها شاءت أم أبت
روعةةةةةةةةةةةةة
ردحذفواو
ردحذف